يتيمة الوطن

كيسٌ صغير في يُمناها، وبيُسراها تُمسك بيد طفلٍ تجاوز الثالثة، معصمها كان يوازي حجم معصم طفلها، ملابسهما رثّة، جسدهما نحيل يُغطي التُراب أجزاء كثيرة منهما، كانت في منتصف العمر، بادٍ عليها ذلك، رغم أن الفاقة والتسوّل جعلاها كعجوزٍ مُسنة.

لا مكان للعيش، لا مساحة في هذا الوطن رغم أتساعه لهما، عيناها واسعتان كبحر، جميلتان، بلون البُن، وبشرتها بلون تراب الوطن، نعم، هذا الوطن التي تُشبهه كثيراً لم يشفع لها ومنحها مساحة تحتويها وطفلها، هذا الوطن الذي ابتلعها ، طمسها، غيّبها عن الحياة عنوة، هذا الوطن التي تتسول في شوارعه، وتمتد أيادي العابثين إليها بشهوات ملعونة لم ترحم ضعفها.

لم أنسى كم كانت عيناها تتحدث حينما مررتُ بها، كانت عيناها ممتلئتان بأحاديث كتمتها في قلبها مريراً دونما تجد من يسألها " كيف أنتِ؟" أو " ما بِك؟" عميقاً استقرت نظرتُها في قلبي وأحدثت في نفسي فوضى عارمة

سمراءٌ جميلة، بعينين واسعتين وقلب طفلة، تنهيداتها حارّة طويلة ، تشكي هموماً أثقلتها، ووطن لم يمد لها إلا بأيادٍ سوداء..
هي يتيمة، يتيمة الوطن. إنهُ اليُتم،  اليُتم يا صديقي لا يعني أن يفقد الشخصُ أباه، اليُتم أن تكون بلا وطن وأنت في وطنك، أن تفتقدُ الأمان في ربوعه، أن تستيقظ مذعوراً  إثر قصف حقير، اليُتم أن تكون بلا وطن وأنت محشور في شرايينه وقلبُك ممتلئٌ به، إنه اليُتم حين تكون في مساحة - تخنقك كل يوم، وتئد طموحك، وتعرقل مسار حياتك، وتفتقد فيه للأمان وتفتقد فيه لنفسك - وتُسمى بالوطن، تلك المساحة الخانقة وطن!!

مُنذُ متى يا صديقي، الأوطان تخنُق؟
- مُنذ غفِل الشباب حقوقهم، واقتات الجهل على بقيته.

تعليقات

المشاركات الشائعة