سيقان
كلما بكيت، نمّت سيقاني كشجرة
.
هكذا حدث لي عندما أغلقتُ على نفسي باب القبو في الظلام وبكيتُك كثيراً، وطلبتُك من الله أكثر بكثير من الدموع، لم انتبه لنمو سيقاني، لم أستطع الوقوف حينها، لم يكن سهلاً عليّ التحرّك، كان عليّ أن ابقى مُنحنيّة أو لا أقف بتاتاً.
هذا يحدُثُ ليّ حين تكون دموعي نقيّة، أعني مُمتلئة بِك وحدك، لا شيء يُبكيني سواك، تحتشد غياباتك الثقيلة، ووعودك المتروكة، ويقتاتني الشوق لك، فتتدافع الأمطار من عيني، غيثاً يُحيي القلب ويُجليّ أثقاله.
عندما جفّت دموعي، وتحسستُ شفتاي، يبدو أنهما أيضاً ينموان كلما بكيت، خداي إحمرّا وأنفي تُصيبهُ موجة زُكام عنيفة، صوتي يتغيّر ومخارج الحروف تتضخّم.
يداي وحدهما يبقيان كما هما، لأنهما الوحيداتان اللتان احتضنتهما كثيراً دون كلل منك أو ملل، كأنهما كانا يديك، لم تتركهما لحظة، ربما هذا سبب بقائهما على طبيعتهما مع كل نوبة بُكاء تعتريني في غيابك.
لا يطول الأمر كثيراً، سيقاني تعود لسيرتها الطبيعية قبل حلول الفجر،أستطيع حينها الوقوف في القبو دون أن اضطر للإنحناء تجنباً للخراب الذي سأُحدّثه لو وقفتُ وسيقاني في حالة الإرتواء العجيبة من دموعي، أرى كل شيء صغير، صغير جداً، حين تنمو سيقاني، حتى أنت لا أراك، يتهيء ليّ أني شجرة صنوبر بلا ذاكرة، ولا يصل قمتها أحد، عالية وكل ما دونها صغير لا يُذكر.
تنتابني حالة خدر عجيبة فانسى كل الأشياء التي تُزعجني وكنتُ أدونها في ورقة لأتخلص منها دفعة واحدة في جلسة تفاهم مع نفسي. ولا اتذكر حينها إلا محاسنك فأبتسم وأجرُّ خُطاي على درجات القبو بإتجاه غُرفتي في صمتٍ مُهيب، اتمدد على السرير باستسلام تام للنوم وأنا مُبتسمة كأنك بالقُرب، وكأني للتو لم تنمو سيقاني من غيابك الذي دفعني للبُكاء كطفلة.
أنام لأستيقظ بأملٍ جديد بعودتك كأن الأمس لم يخذلني.
تعليقات
إرسال تعليق