فوضى
كيف لي أن أخبرك أن الأمر صار ثقيلاً جداً، أثقل من فقدانك، هذا يُشبه انتظار ما لن يأتي.
الحياة هنا خالية من مقوماتها، الوطن خالي من كل ما يجب، الشوارع مُعتمة ومزدحمة بالنفوس المريضة، الأزقة تشكو الهجران، البنايات نوافذها تُحدق بخوف في السماء تنتظر موتاً، هنا الجميع خائف لدرجة عدم الرفض، وعدم الاحتجاج وعدم الصراخ وعدم الإنسانية، هنا كل شيء عدم يّ عزيزي.
قد كنتُ اتسائل ما الذي لم يأتي بك حتى الآن، ولماذا تأخرت عليّ وأنا التي ارسلت رسائل إيجابية شتى للكون ليأتي بِكَ إليّ وها أنا دونك، ولم ألتقيك بعد، كما أن قلبي بدأ يقتنع تدريجياً بأن لا أطلب مجدداً من الكون وجودك، ليس لأني لا أريدك بل لأني أخاف فُقدانك. هنا بلد الفقد، كل من أراد أن يفقد كل ما يملك حتى إنسانيّته ونفسه، عليه أن يأتي هنا. ومن يتشبث بنفسه ومن يُحب وإنسانيته في خضم هذه المعمعة والفوضى المُميتة، يُصبح ك قارب في بحر هائج.
كيف ليّ أن أكون قويةً هشة، وضعيفة كشوكة من لمسها تألم، هذا تناقض، وأنا التي أحبُ المثالية صرت متناقضة، يومياً أستيقظُ صباحاً مُفعمة بالتفاؤل والنشاط والإبتسامة لأعود للمنزل قلب يبكي،لا، لا!
أتدري! هذا ليس تناقضاً، حقاً صدقني، أنا لا يبكي قلبي إلا حزناً لما أراه في الشوارع من تدني في مستوى الأخلاق وانتشار الفقر ومعاناة الفقراء، خليطٌ من موت شكلي يليه موت مؤكد.
لهذا يّ عزيزي، بعد اليوم لن أطلب من الكون مجيئك، لا متسع لك معي ولا لطفل جميل يقطن بقعة مُتسخة بهذا القدر.
الآن أريد أن أخبرك شيئاً أخيراً، هنا قد حلّ فصل الشتاء وأنا أحبهُ كثيراً، وددتُ لو قاسمتني فنجان قهوة وثرثرة لطيفة اغفو خلالها على صدرك.
جميل جداً
ردحذفمرورك كذلك
حذف