حالة من اللاوجود

من مِنّا يستطيع الآن أن يتراجع عن كونه ما كان بالأمس، أن يلتفت يُمسك بيد نفسه، يُلملم ملامح مشاعره، عيناه الممتلئتان بالحب، قلبه الصامت الممتلئ بالضجيج، محاولات تمسّكه بالآخر في حين أن الآخر باسطٌ كفيه غير آسف بغيابه، الحكايا والثرثرات الكثيرة التي كان يودُ أن يتقاسمها مع أحد ما، فنجان القهوة الذي تمنّى أن يرتشفه بحضور نبضه المتمثل في إنسان، وإخفاء الرسائل المُتحدثة رغم إلكترونيتها وجمودها، أن يُلملم كل شيء كان عاملاً مُساعداً في كونه ما كان في الأمس ويُحرقه ويُنثرهُ في يوم عاصف كي لا تلتقي ذراته في مكان ما، ويغيب مع ذلك ما كناهُ بالأمس، مممم ، نعم! هكذا شيءٌ من خيال، كالسحر يحدث للمرء لمرة واحدة حين يشعر بأن الحمل عليه قد ثقُل، فيكون ذلك تخفيفاً من الحياة لنا كطلب منها لمسامحتها لوطأة ما تفعله بنا بين الحين والآخر.
من يستطيع فعل ذلك، في مسح لوحة قد رُسِمَ عليها بكل الألوان وإعادتها لسيرتها الأولى بيضاء، خالية من أي لون وخربشة؟!
افكر كل يوم عن إمكانية أن نكون لاشيء، هكذا التأرجح في العدم والشعور باللاشيء، حالة من اللاوجود والتخفف التام من كل شيء وفي مقدمته من ثقل القلب على الروح، هكذا أن نكون مثلاً روحاً خفيفة، شفافة أراني من خلالها وأصبحُ خالية منه، أُمثلني، أوه!! اقصد اُمثل روحي فقط دون ضغط وشتات وتردد العقل والقلب.
ومازلتُ افكر كل ليلة تمر كيف لي أن أكون اللاشيء، كي لا تغزو الذكريات قلبي ويكبُر أعوام في ليلتين متتاليتين مُظلمتين وخاليتين من وهج روحي.
الأمر يتكرر كثيراً عزيزي، هذا افسرهُ بسبب أني لم اقرأ كتاباً دفعة واحدة منذ شهرين،ككأس نبيذ، فمدمُني القراءة كمدمني المخدرات، تنتابهم حالات فقدان شديدة وشوق مرير لما ادمنوا عليه حين يمتنعوا عنه لفترة خارج عن قدرة تحملهم.
ومازلت اتسائل، متى استطيع أن أعيش وأشعر للحظات باللاشيء، هكذا العدم الهادئ المُريح.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة