إلى صغيري (22)


مرت ستة أيام ولم أخرج من المنزل، استسيغ المنزل جداً في أيام رمضان، لا أجد أي رغبة للخروج إلى أي مكان إلا لشيء مهم جداً، أو مع أختي المتزوجة التي لا تتركني بمفردي أبداً، فخرجت معها للسوق، وفي الباص صعدت امرأة ازعجني حديثها كنت أريد أن اصفعها لكني لم أفعل، مؤمنة جداً أن 13 تموز ستحترق العاصمة وفقاً لتهديد من الملك سلمان، هالني إيمانها العميق، حاورتها بل وجدتني أجادلها حين وجدت إيماناً بائساً بالبؤس ومستسلمة وكأن سليمان هو الله قد قرر لنا ما يشاء، آهٍ،  لعنتي أغاظتني كثيراً، ولم يتدهور حالنا إلا بسبب اشكالها المتوفرين بعدد شعر الرأس، عكرت مزاجي كثيراً وأحزنني عميقاً هذا التفكير والاستسلام. ولماذا تموز ذاتاً، كيف سيكون هذا العام وفيه عيد ميلادي، أطلب من الله أن لا يلتصق به حدثاً جللاً يُفقدني نكهته. متى سأجدك تحمل لي هدية يا صغيري في عيد ميلادي وتُقبلني واضمك إلي وكأنني أضم الجنة بما فيها، لأسمع صوتك المميز الهادئ" كل سنة وأنتِ يا ماما معنا وبصحة وسعادة" آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا هذه الأحلام الصغيرة القاتلة.
تبدد انزعاج مزاجي برؤية أختي وضحكتها الجميلة، لا تفارقها أبداً منذ تزوجت ، اشعر بها راضية كل الرضا مع زوجها ،كم تبدو مواليه له، مطيعة وتحبه جداً، بحثنا كثيراً عن هدية له، واهلكني بحثها عن روب نوم بلون لم تشتريه من قبل، كم شعرتُ أني غريبة في تلك الأشياء، لم يسبق أن احاول الشعور كما تشعر، وكيف ستفعل وكيف سترتدي روب النوم، وهل ببساطة سيتفهم رغبتها ويقترب منها؟ أوه! كم هائل ثقيل من الأسئلة راودني، لم اسألها شيء، رغم جرأتي بسؤالها عن أي شيء قد يخطر ببالي ويثير فضولي، لكني حينها لم أحب أن أظهر بمظهر الفضولية، ربما يوماً سأفهم بمفردي، شد تفكيري مدى قبول  وسلمية الرجال في ابداء الرغبة، وخاصة فيما يخص الجنس، مجتمعنا عاهر، لن يتفهم حتى رغبة الزوجة حين تريد بشدة أن يقيم علاقة معها في ذات الوقت الذي ترغب فيه ليس بعده بساعات حسب مزاج الرجل. ولا يجب أن تعاتبه لو لم يفعل ما تريد, لماذا وما السبب؟ تختصر الاجابتان في كلمة مجتمعية لعينة " لأنه عيب"!!!
 استحضر حديثاً سمعته في  حفلة زفاف لأحدى بنات عمي، ارعبني لأن والدة العروسة كانت تُحدث ابنتها بلهجة تُرعب قصداً منها في ترهيب ابنتها" لا تطلبي منه أبداً أن يقيم علاقة معك مهما كانت الرغبة تقتلك، إن اراد هو سيستدعيك أما أنتِ إياك وأن تفعلي، ذاك عيب!!!"
يا للهول! هالني التفكير الحيواني البحت، وكأن الرجل هو الانسان والفتاة حيوان لا ترغب ولا تعبر عن رغبتها بطريقة ربما فيها لن تتحدث أصلاً بطريقة مباشرة، يؤصلون التخلف فينا منذ نعومة أظافرنا فلا عجب من أوضاع لعينة تغلظ الخطأ على الفتاة في حين يُخفف ذاتها عن الرجل، ولك أن تقيس الكثير والكثير من الأمور في هذا المجتمع بذات التفكير الحقير المتدني.
ماذا عني حينها؟ نظرة الشفقة لم تفارق عيني والضحكة الصفراء في حفلة الزفاف رافقتني حتى عدت للمنزل وغفوت، حين يلبس الكِبارُ مِنّا ثوب التدني الفكري والجهل بأم عينه، لا حياة لمن تُنادي بعد ذلك.
أكتب إليك صغيري، والطائرات يُحلقن في السماء، بدأت طلعتهن الجوية والغارات الممتلئة بصواريخ الموت، لا يمر يوم دون غارات، لم اعتادُ بعد عليها رغم مرور ثلاث وتسعون يوماً منذ بدء الغارات فيما يُسمى بعاصفة الحزم، كم هم عاهرون حتى بتسمية الموت بطرقٍ تشي أنهم يريدون الخير لنا، أنت عربي لن يساعدك أخٌ عربي إلا لمصلحة ما، كن على ثقة من ذلك يا صغيري، ولن يتردد في قتلك لو كنت أنت العقبة في وجه مصالحه، هذه الفترة لم يمر مثلها من قبل بمثل حقارتها ولن يمر من بعد مثلها، ولا أدري كم ستستمر هذه الفترة وهل سننجو منها أم ستلتهمنا دون أن تقف وقفة إجلال لحلمي الدافئ .


29 حزيران البائس 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة