إلى صغيري ( 25 )
كلحظات البؤس العارمة التي لا تتركني إلا وثقبتني صار ت الحياة، من ثقب حزن
إلى أثقبَ وأحزن واحلك، احاول اللجوء إلى وطن يمنحني حياة ممتلئة بتفاصيل مُثيرة/
جميلة وتُحيي فيّ الرغبة للاستمرار في العيش، الأحزان لا تأتي فُرادى كالمصائب
دفعةً واحدة ولا تنقشع إلا بشق النفس وتشقق الروح ، تاركةً ندبات في القلب.
الحياة مفارقات رائعة في بعض أحيانها، وتارة تكون بائسة كيتيم يشتهي حضن
والده، يتخبط / يشتاق ثم يبكي بمفرده ، حتى الحياة حينها توليه ظهرها غير آبهةً
به، ومهما كانت المفارقات متعاقبة ببؤسها أو جمالها بكل الأحوال لا تُعطيك فرصة
لتتحرر من المفارقة الملتصقة بك إلا وسقطت الأخرى على رأسك، أ أعجبت بها أم لم
تفعل، عليك التحمل والمضي قُدماً في الحياة، حينها أنت وذكائك هل ستتأقلم سريعاً
أم سينتابك العوز للرجوع للماضي بأي ثمن أو التخلص مما أنت فيه بكل ما يمتلئ به
رأسك من أفكار وجيبك من نقود.
مهما ناضلت أنت في النهاية للهلاك، لا رحمة في الحياة لتمنحك حياة بقدر
نضالك، ستموت برصاص متعجرف أو قناص/ بشظايا غارات جوية لعينة أو بفدائي يفجر نفسه
قربك/ بحادث سيارة كان سائقها يهرب من بعض الديدان العفنة أو بسيارة دودي سرقها
واسرع بها فداسك على طريقه – لن يقف ليتفحص نبضك، بل حتى المارون بك لن يقفوا لإنقاذك
قد يقفوا فقط للتفرج عليك حتى تلفظ أنفاسك الأخيرة- ولا يلوي على شيء / بطلقة رصاص
من فوهة بندقية متعارك مع صديقه فأخطأت خصمه وأصابتك أو بسقوط طيارة على بيوت حارتك الدافئة وأنت
ضمن الراحلين.
الموت ، الموت آتٍ لا محالة أردتُ
ذلك أم لا، ليس بيدي أن اجعله امراً عادياً، كأن أخبرني أنني لو ارتعشت خوفاً أو
تجاهلته ببلادة سيأتي بكلا الحالتين، كما أني لستُ مستعدة للموت بعد، احتاج مزيداً
من الوقت لأحب واتزوج أنجب أولاداً. مازالت أريد أن اصنع لي بصمة جميلة هادئة
كرواية تؤرقني ولم ابدأ إلا بسطورها الأولى ، بمجرد التفكير بها تغمرني سعادة،
نصوصي المتزاحمة في حاسوبي المحمول ممتلئة بالحياة وبي، أريدُها أن تخرج للنور
بعنوان هذيان أنثى أو لتر ذكريات مُراهقة أو حروف مُرتبِكة، أريد أن أحيا لأكتب
ليتيم فرحاً وارسم على وجه حزين ابتسامة، أريد أن أحيا حياة تُشبه السلام كثيرا
وممزوجة بالأمان في قلب وطن كوالدك.
اليوم ثاني أيام عامي الجديد، عامي السادس والعشرون – ربع قرن كما يُعلِق
أصدقائي ممازحين– استيقظ فزِعة على صوت انفجار عنيف هز نوافذ غرفتي، بعد أنباء
البارحة ليلاً عن هُدنه قررتها الولايات المُتحدة، الهدنة يا صغيري كذبة حرب،
يُقرّها الطرف القوي المُتبجح ليعطي أشارة للعابثين أن أخرجوا اسلحتكم من مكامنها
فينقضون الهدنة ويقصفون الأماكن التي استطاعوا اكتشافها خلال إدعائهم بالهدنة، في
هذا الوطن المصطلحات الثابتة في معانيها تبدّلت، صار لكل شيء معنى آخر، كالمبالغ
التي تُخصم من مرتبات الكادحين تحت مسمى المجهود الحربي، الحقيقة أن المجهود
الحربي يؤخذ كي يتم الدفاع عن سيادة وطن ما يحدث الآن مخالف تماماً لما نعرفه،
مبالغ المجهود الحربي التي تقتص من رواتب الكادحين ، والتي تضاف على اسعار المواد
الغذائية والمشتقات النفطية هي مبالغ تُساعد في اتساع ثقب السيادة الوطنية وانتهاك
عرض وطن وتدنيس حضارته، الطرفان المتعاركان الآن كلاهما احقر من الآخر والداعمين
لكلا الطرفين أيضاً احقر ما خلق الله على الأرض، نناضل بشدة للعيش بكرامة يا
صغيري، والأمور كل يوم تزداد سوءاً ويتسع الخوف بداخلي يكاد يلتهمني، الغارات لا
تُبقي على أمل بداخلي، أجدني ألعنهم جميعاً، لا حياة هنا إلا لمفاقمة حجم الحقد
والكره لوطننا ومن يحكمه ويزعم حمايته.
لك أن تتخيل أن الهدوء هنا يشي بالموت، أتستطيع أن تتخيل هدوئاً يشي
بالموت، لا تقف الغارات إلا لتكون أبشع وأشد، أن تنام ليلاً ملئ جفونك هذا مُحال،
وأن تقضي يومك دون انفجارات تهز أرجاء المنزل فهذا حلم لا يتحقق، تشوهت ملامح
الحياة، حتى احلامي باتت حزينة تتقلّص مع كل خوف يعتريني.
أكتبُ إليك في إنتظار غارة آثمة تنزع كل هذا الهدوء الذي استغليته وكتبت
فيه إليك، نهار الثالث والعشرين من رمضان، الأجواء هدأت منذ ساعتين، لا أثر لطائرة
في سماء العاصمة، رمضان يسابق الغارات الجوية في السرعة، كأني البارحة كنت أهنئ
الأهل والأصدقاء برمضان وبعد أيام سأهنيهم بالعيد!!! كم الحياة بائسة نعيشها دون
أن نحيا كما ينبغي.
10 تموز / يوليو2015 – الجمعة
27: 17
تعليقات
إرسال تعليق