الرابع من ديسمبر-إلى صغيري(32)
ليلة الأول من كانون الأول/ديسمبر تصفحت صفحتي على الفيسبوك، قرأت منشورات الكثيرون ممن يتأملون بداية شهر جميل، ونهاية عام وبداية عام مُشرق، طموحات، دعوات ، رسائل عتب، شوق والكثير من الأمل كانت تنضح بها منشوراتهم. يا إلهي الكثير من كل شيء كما لم ينسوا ذكر وطنهم وأمانيهم في أمان عاجل لهذا الوطن ونهاية لنهر الدم وعاصفة الموت. تنقلت من منشور لآخر بإبتسامة ليست إبتسامتي، لم أكن أشعر بشيء، بل لم ينتابني أي شعور تجاه أي منشور أو أي رسالة يومها. كل شيء لاشيء ليس لشيء سوى أن قلبي لم يكن مُطمئن!!
أنا وسط كل هذه الأمنيات والطموح والمنشورات المُملّة وعلى غير عادتي لم أكتب حرفاً، لم يشجعني أي مما قرأت على كتابة نصف طموح، بقايا حلم أو دعوة ولا حتى إستقبال زائف بديسمبر، بدت لي الحياة حينها لا تستحق لذا دخلت حسابات كُتاب أحب كتاباتهم وتنقلت من حساب لآخر اقرأ غير آبهة بإستقبال ديسمبر وتوضيب طموحي تأهباً لعام جديد، لم أسهر طويلاً تلك الليلة، أغلقت هاتفي وعدتُ للقراءة وكتاب أمين معلوف"الهويات القاتلة" وأظن نحن العرب لنا هوية قاتلة تُنفينا وكثيراً ما تقتلنا حقاً. إنتهى يوم الجمعة سريعاً كعادته. وخلدتُ للنوم غير مهتمة لا بالأخبار ولا بالأمنيات.
طفلي
بقدر أمنيات الكثير ودعواتهم لم يأتي الإ الأسوأ، تفاقم الوضع سياسياً وتوسعت حلقة الإشتباكات بين الميليشيات وعسكر الجيش إلى عدة أحياء، وأُغلقت الشوارع، وتأزم الوضع في غمضة عين، وكأنك تلعب فيديو جيم، وتنتقل من مرحلة إلى الأصعب والأحلك بكبسة زر هكذا انتقل وضعنا علاوة على ذلك ارتفاع مهول في أسعار المواد الغذائية وانعدام مفاجئ في مشتقات النفط بكل أنواعها وإن توفرت فهي بضعف الثمن!!!
أستيقظت صباح السبت والأخبار سيئة جداً، قُتل الكثير من المدنيين في منازلهم إثر الإشتباكات اللعينة، لم يتحرك ساكن، زاد الطين بله فطيران التحالف الملعون زاد من وطأة القصف، قُطعت أرزاق الكثيرين ومات الأكثر.
ملامح الظلام غطت وجه مدينتي صنعاء، الدبابات، الديدان منتشرين بأسلحتهم، الموت ضاعت رائحته في حارات المدينة بين ليلة وضحاها وعلق المدنيين في منازلهم في مناطق الاشتباكات، نفذ الماء على بعضهم وبعضهم نفذ عليهم الماءوالطعام والصبر وتوقفت المدارس/الجامعات والشركات والمنظمات توقفت الحياة وأخذ الموت دور الحياة، واستمر الوضع شديداً ما يقارب الستة أيام حتى نفذوا مخططهم وقتلوا الرئيس السابق في عقر داره.
بُني💔
اظلمت عيني، لم يعد للحياة من معنى وسط هذه المعمعة والإنزلاق الأخلاقي الخطير وتلاشي الأمان دفعة واحدة.
أنا لم أحبهُ يوماً، لكن لم أتمنى أن تكون نهايته بهذا الشكل وعلى أيديهم النجسة، اراهُ رغم كل حكمه السيء رجلاً لم يتخفّى، لم يختبئ خوفاً يوماً، حتى حين جآووا لقتله لم يهرب وقف صامداً كالأسد في وجوههم، على خلاف غيره.
مات ولا نعلم ما بينه وبين خالقه فعليه رحمة الله، لسنا رب العالمين لنحكم عليه أو على سواه. كان ذلك في الرابع من ديسمبر، يوم كأنهُ عام ورغم ذلك مرّ ولم يحدث بعدها شيء، فُتحت الشوارع وعادت مشتقات النفط وها أنا الآن أكتب إليك والهدوء مُخيف للغاية.
انتهت الاشتباكات،توقف كل شيء، كأن مرحلة الفيديو جيم توقفت في منتصفها وعدنا للمرحلة السابقة عنوة!!!!
كيف ليّ أن أرسم لك لوحة واضحة عما أشعر به دون أن أذرف دمعة واحدة، دون أن أشهق وأتجرد من كل أمل يربطني بالحياة.
اليوم هو الثامن من ديسمبر، غصّت بي الحروف والمشاعر ولم أستطع الكتابة منذ بداية اللعبة وتدهورها السريع وانتهائها الأسرع، من هول ما عشت، ولثقل ما شعرت به وأنا لستُ أهلاً لمثل تلك الأهوال فوقعت تحت سطوة الشتات/الخوف والكثير من الأسئلة والحيرة. عدتُ لرشدي وقررت أن أؤرخ كل هذا العبث، لعلي يوماً اقرأهُ وأنا أحسن حالاً مما أنا عليه في هذا الوطن الوحيد الذي ليس له رجال يدافعون عنه.
ستكون رجُلي ورجل وطنك، لن تتخاذل كما فعل شباب هذا الجيل، أليس كذلك؟ لن تضطر زوجتك أن تخرج للمقاومة وأنت قابع في المنزل تحت تأثير القات وتسبح في عالم لا صلة له بواقعك، أليس كذلك؟ لن تصمت على أي تعدي بسيط في حقوقك أو خصوصياتك ووطنك، لن تمضغ القات ببلاهة تامة في حين زوجتك تكتب ضد الظلم والمعتدين وتهاجم الخونة، أليس كذلك؟
ستكون رجل وليس ذكر، أليس كذلك يا بُني؟
ال8 من ديسمبر 2017
انت رااائعة
ردحذفشكرا
حذف