إلى صغيري(34) -الوطن

الثاني والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، موجة صقيع حقاً لم يحدث مثيلها خلال أعوامي الثمان والعشرين، لم أعد تلك التي تستيقظ صباحاً بكل نشاط، هناك حوار عقيم ومُرهِق بل وفاشل أيضاً كل صباح، حول ما إذا سأذهب للعمل أم سأخذ إجازة، لينتهي بالإستيقاظ عنوة.
الشتاء هذا العام قارس وقام بتعكير صفو ًروتيني اليومي، لاشيء يُغريني في هذهِ الأجواء سوى النوم، البقاء في السرير، القهوة الخالية من السكر وكتاب، الجميل هذا العام أني ألتهمت كتُب وأفلام لا حصر لها، الكاتب ممدوح عدوان وكتبه التي تلمس دائماً نقطة ضعف وتارة اسئلة حائرة تُحلّق في رأسي، يستطيع حقاً أن يحكم سيطرته عليّ في كتاباته رغم أنها مؤلمة، هذا الكتاب الثالث الذي مسّ نفسي هذا العام، الثاني كتاب"استرجع قلبك" للجميلة ياسمين مجاهد، والأول "100 من عظماء الإسلام" كنت اقرأه وكأني أطير بين الغيوم لجماله.
يا الله كيف للحزن أن يُباغت هذا العالم وفيه كُتب، ووسيلة جميلة للإبحار بعيداً دون أن نخسر فلس واحد.

أظنك يا بُني ستكون مثلي تلتهم الكتب،
ولا أريدك أن تكون لأني صرت انسج القصص واجعل لكل موقف مئات النهايات التراجيدية تارة، وتارةً الخيالية البحتة، وأشك كثيراً في كل تصرفات من حولي، احذر كثيراً، أكثر مما يجب لدرجة لا اترك طريقاً لأحد إليّ. أُفضل الوحدة، الكتب والأفلام كثيراً، لذا لا أريدك أن تصبح مثلي.

لاشك أن ما أنا عليه إنما محاولة للهروب من هذا الواقع المأساوي، من هذه الحرب التي لا تنتهي، من الخيانات المُتكررة، من الصمت الجليدي الذي لا يذوب. الكثير هنا ما لا أستطيع التعايش معه، هذا الوطن يا عزيزي يلتهم شبابنا، يعزف لحن حزين مللناه لأن فينا براكين نشاط وحياة، هذا الوطن يأكل أكوام الأمل التي رصفناها بداخلنا، يدفعنا لهاوية قضينا أعوام نتجنبها وندعو أن لا نضطر مواجهة أي منعطفات فيها نخسر وجوه وأشخاص جعلناهم قلباً لنا دون أي ضمانات، نُصبح في هذا الوطن على هدوء عارم وصباح آخر نستيقظ فيه مذعورين خائفين، والمساءات يا بُني كمثيل الصباحات، لاشيء مُستقر ولا شيء يشي بالسلام.
في هذا الوطن كل ما يحدث معنا يومياً هو الخسارة والخوف، صور مُتكررة بشعة.

لا تستغرب أبداً من هذه الرسائل الغامقة المُتعبة، ضع يدك على قلبي ستجدهُ مُزهرٌ جميل، مازلتُ أستطيع أن أكون بخير رغم كل شيء.

تعليقات

  1. انت من عالم آخر ، نسيج من الخيال الجميل والحقيقة الأجمل، متفردة متميزة لا مثيل لك، اعجز عن وصفك وكفى .. اشكر صدق كلماتك، واحساسك العميق بالمسئولية تجاه كل شيء ..

    ردحذف
  2. شكرا لمرورك الدائم بكلماتي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة