إلى صغيري(36)
الثامن عشر من شُباط، الشهر الثاني من العام الذي مازلتُ اصفهُ بالجديد. نبتتي الصغيرة أزهرت من جديد بعد شدة برودة فصل الشتاء،وقلبي أزهر كذلك. ثمة شعور جميل يُناغي قلبي، شعور يُشبه الحُب، الإهتمام والطمأنينة.
وطني المُتعثر بنا، الذي كلما ظنناهُ سيحمينا خذلنا ونحنُ من نفعلُ ذلك بانفسنا ونعيبُ الوطن والزمن والعيبُ فينا.
قاربت السنة الثالثة للحرب أن تكتمل، الحرب في عامها الثاني إلا شهور قليلة وأيام، تغيّر ما لا يُحصى، الكثير تحت مستوى خط الفقر، الحزن اكتملت ملامحه، الفقدان قد نبتت على تربته براعم الشوق، القلوب المُضحية بصدق ندُرت، الأمهات اللاتي فقدن أولادهن يتجرّعن الصمت والنحيب، نامت تحت أعينهن غيمة الحزن السوداء ولا يترددن في الدعاء على الخائنين في كل صلاة بنحيب تبكي له السماء والملائكة. وحاشى الله أن يرد دعوة لحوحٌ باكي يرجوهُ بثقة.
ملامحي أنا أيضاً تغيّرت، وأصبحتُ قادرة على معرفة الكاذب من لمحة عينيه وطريقة حديثه، من حركات يديه ولغة جسده. لم أتجاوز الثلاثين من العمر بعد لكن قد مررتُ بأكثر مما يجب وتعلمتُ كيف أقف بمفردي، كيف أكون شجرة تارة، وسراب تارة أُخرى. كيف أكتُب ما أعنيه حقاً وكيف أجعل من الكلمات رخوة يضيع فيها القارئ فلا يدري أاقصُد ما أرويه أم مُجرد خيال. أن أنثر كلماتي على الورق دون مبالاة، وتارة أكتبها بأيام من عمري. كيف أكون أنا التي أُريد لا التي يريدها الناس من حواي.
تعلمتُ كيف أن التجاهل نعمة تستحق الحمد الدائم والشكر، أن الذين يبتسمون لي كل صباح منهم النقي مثلي ومنهم الحاقد والفاتن واللعوب.
تعلمت أني لن أموت من قلة حب الناس لي وقد أموت كآبة لو يوم تخليت فيها عن نفسي وتوقفت عن حُبي لذاتي وسمحتُ للحياة أن تأخُذني بعيداً عن طموحي وحلمي.
تعلمت أن الصديق الحقيقي هو الذي يقف معي في الشدائد ويحقن قلبي بجرعة قوة حين أضعُف أو تنتابني لحظات خوف.
بُني
هذهِ الحرب اللعينة جعلتني أكبر مائة سنة في سنتين. وضعتني في أشد المواقف فزعاً وهلعاً، شردتني عن منزلي رغماً عني، جعلتني أعيش في مكان لا اهواه ولكني مُمتنةً له الآن لأنه كان المأوى الوحيد الآمن في أحلك ليالي الحرب شراسة.
هذهِ الحرب رغم ثِقلها على نفسي إلا أنها علمتني دروساً لو عشت سنوات طويلة ما كنتُ لأتعلمها بهذه الحنكة وهذه السُرعة. ورغم كل ما تعلمته من هذهِ الحرب إلا أنها غاشمة، حقيرة وقذرة هي وكل أطراف المتورطين فيها، سيتحملون أرواح طاهرة ناقمة عليهم في حياتهم والممات. كم نفس تشكو إلى الله الظلم وتغفو باكية ولن يُخيّب الله دعاء الباكين الراجين الخلاص من الحرب وظلمها.
كيف نكون الذي نريد لا الذي يريده الناس ، كن كما تريد لا كما يريدون ، كن أنت ، اترك الاهتمام بما يمكن ان يفكر به الآخرون عنك ..
ردحذفرااائعة كما انت وفي فصل الربيع لا تورق وتزهر النباتات فحسب ، حتى القلوب تزهر ..
في الربيع يزهركل الجمال
حذف