إلى صديقي(16)
ما عدتُ أكتُب كما أشتهي وكلما أردت، ثمة ما يقف بيني وبينك، بيني وبين كراستي وقلمي، بيني وبين كل الأشياء التي تُمكنُني من الإستمتاع بكل لحظة من لحظات حياتي. يبدو أنهُ الخوف الدائم من تفاقم الحرب فجأة لتأتي على آخر كل شيء حتى حياتي لو حدث يوماً. الحكايا التي قتلت فيّ مرونتي وعفويتي في بعض المواقف، الأحاديث الكاذبة التي قَيلت بصدق، العيون التي ما كانت لتخون يوماً وخانت. السياسة التي أتت على كل شيء جميل وصنفته ودنسته وأنتهكت حرمته. الأصدقاء الذين لم يكونوا يوماً أصدقاء وخانتنا المعاني والأسماء في وصفهم وسقطنا بهم ومنهم. الذين يلبسون ألف وجه ويخلعون أحدهم وقتما شاءوا دون أن يلحظهم أحد. الحب الذي أذاب الثلج ورحل.
أن أكتُب يعني أن أتخفف من ثِقل الأيام ومرارة الخذلان وموت كل حلم صغير بنيتهُ يوماً. وأنا أكره الجنازات والعزاءات التي تشوّه قداسة الأشياء. أن أكتُب فذلك يعني أنني أحاول التمسك بالحياة أكثر مما يجب وهذا ما لا أُريده. أكتُب فهذا ليس سهلاً أن اتعرّى أمام الحزن دفعة واحدة فإني أخاف أسواطه وألم الإعتراف به. ليس سهلاً أن أكتُب وكُلي إدراك أن مساحة البوح تصغر كل يوم مقارنة بما مضى. الحروف ثابتة لا تنقُص مهما كتبت، في المقابل ينقص العمر ومساحة البوح وإمكانية العثور على البداية من النهاية، وحقيقة الأمور وتوقيت حدوثها. الكتابة تقويم تفصيلي للأيام وأنا لا أُحب تذكر كل التفاصيل، لأن التفاصيل وحدها هي التي تستطيع أن تقتلني قبل أن يرتد لي طرفي.
صديقي...
أكثر مما يجب قد مرّ وداس على تلك الفرصة الضئيلة التي كنتُ مُتمسكة بها بحكم ضعغك وقلة حيلتك. أما الآن فلا مجال للشك بتاناً الأمر واضحاً كقرص الشمس في سماء ظهيرة آذار. أعلمُ أنك لا تقرأ فكيف لورق أن يقرأ ورق، وأعلمُ أنك مشغول بحالك، وأن القراءة آخر اهتماماتك، وأعلم أيضاً أن لا مساحة للبوح في حياتك، أنت صديق كتوم بائس وبعيد ورغم كل ذلك أحبك كثيراً.
ربما هي مرحلة عمرية حكاية الشعور بكل شي من حولنا وحكاية الشعور ببدأ الأشياء ونهايتها وكل تفاصيل الاحساس والمتعة والعفوية في القول والفعل والاحساس كلها تتلاشى حسب العمر نفقدها ولا نحصل على وسائل جديدة لتتلاشى الى الأبد اعتقد ذلك ، والله أعلم ، ملاحظة صديقك ايضا عنيد جدا ،، تحيتي لك وسلامي وكتاباتك الرائعة تحي فينا الامل فما زلت كما انت مرهفة الاحساس . لا تردي بشكرا فلم افعل شيئا يستحق الشكر .
ردحذفربما مرحلة لا اكثر من يدري
حذفربما
ردحذف