إلى صديقي (17)

يُراودني شعور أن الكون قد صغر حجمه، ضاق بمعنى آخر. وأن الأشياء التي لونتها بأبهى الألوان بهتت وماعادت مُبهجة. كثيراً ما قرأت" عليك أن تبني بداخلِك شخص قوي لا يحتاج أحد في أحلك المواقف" واسمع كثيراً " سندك أنتِ، لا أحد سواك سيبقى معك دائماً" لم استغرب يوماً من كل تلك الأقاويل التي تدعمها قصص لا تنتهي. انتابني شعور أني أقف على حافة العالم وانظر ببلاهة تامة إليك وكأنك آخِرهم. تدافعت كل المواقف كسيل عرم، تذكرتُ نقطة البدء وكم كانت ضعيفة كوليد وُلِدَ قبل شهوره التسعة . اتسع الثقب، تراكمت كل الحكايا المثقوبة التي للتو تذكرت أني لم اسمع نهايتها بل إنها بُترت عمداً كي لا تتضح الصورة لدي. كم يبدو مُخيفاً أن تقضي سنوات من عمرك في حلم يسقط عليك جدرانهُ لأنك لم تبنه على أساس قوي.

يُرعبني مضيّ العمر هكذا سريعاً، لا أكاد ألمس ما يُشعرني بالحياة وحلاوتها إلا ومرّت عليه الأيام فأخذ نصيبه من الإعتياد أو التلاشي والغياب. ويُخيفني أن اقضي عمراً لأجني اللاشيء نهايةً، أو يخذلني من من قد اسلّمه قلبي، أو ينفيني الوطن وأنا فيه، أو تتزاحم المواقف وتكثُر فيُصبح تكرارها غشاء يُعميني عن رؤية الجمال وإقتناص الفرص أو تُلهيني الحياة فلا أُدرِاك رسائل الله في الأمور كلها.

صديقي البعيد
ثمة ما صار مُغريا جداً فيك، إنهُ الشيب الذي داهم شعر رأسك باكراً، والعناد الذي يُقصيك وصمتك الذي يجعلك منطوياً بعيداً لا تتحدث فاسمعك ولا يُمكن أن يصلك صوتي. من ذا الذي تجرأ يوماً قائلاً" البعيد عن العين بعيد عن القلب" باطلٌ هذا فكيف لثقب الشوق أن يتسع ويلتهم كل لحظاتنا كلما زاد الشوق والغياب؟ كيف لنا أن نُدرك حجم من نُحب إن لم تطالُ يدُ المسافات قصصنا؟ كيف سنُدرك حجم هول حُب الوطن فينا إن لم نغيب عنه لنعود عطشى ومشتاقين؟ كيف لنا أن نعرف حلاوة الأشياء إن لم نفتقدها لمدة يسيرة لنعود لها مُتلهفين؟

صديقي
لم يتركني الله يوماً خاوية اليدين من جواب لكل سؤال ينخُر في رأسي ويُحيي الشك، مهما طال إنتظاري تأتيني الأجوبة بدهشة تامة ووضوح كامل، لا يُراودني شك بعدها ولا يُحزنني أمر كان سبباً في إشتعال نار الحزن والأسئلة. وهكذا كُلي ثقة سيأتيني جواب كل الاسئلة المُتعلقة بِك على طبق من ذهب ولستُ على عجلة من أمري وأولها، هل كنت حقاً صديق يستحق كل رسائلي إليك؟

تعليقات

  1. نكتب لنتخفف .. فعلاً
    اعظم كلمة : تجتاحني
    الكتابة : لغة
    كاتبة النص: عالم مستقل بحد ذاته
    القارئ : مدمن كلماتها

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة