إلى صغيري (14)




تسحقنا الحرب يا بُني، تتحدُ أيدي سوداء لسحق هذا الوطن بكل ما فيه، لا يذرون طفلاً ولا شاباً ولا من في أرذل العمر. تتوالى المصائب من كل حدبٍ وصوب. كلما ظننتُ أن الحرب أوشكت على الإنتهاء، حدث ما لم يكن في الحسبان، يأتون على كل ما فيّ من قوة في لحظة فكرتُ فيها أني تجاوزت الحرب وما فعلته بنا. إنهم قصداً يدوسون على الأمل فينا كي لا ننجو، ومن ذا الذي ينجو دون أمل ينبض به قلبه حول كل ما يُريد الحصول عليه أو التخلص منه أيضاً. إنها الحرب يا صغيري، تُجارُها تعدوا على كل حرمات هذا الوطن، حتى على قوانين الحرب ذاتها، داسوا بأحذيتهم الملطخة بالدم عليها غير آبهين بأي شيء.
 فضلٌ من الله أنك لست في الحياة بعد، كيف كنتُ ساستطيع إرسالك للمدرسة وهذه الحرب تقصف المدارس، تقتل الأطفال ببرود تام أمام الشعب كافة، والأدهى لم يُنكر أحد هذه الجريمة، لم يتحرك ساكن، لم تخرُج مسيرة مُناهضة ومُنددة بهذه الجريمة كأقل ردة فعل، لم تتفوه حكومتنا الخائنة بحرف واحد، يعيشون بسلام خارج الوطن، يأكلون ويشربون كالأنعام بل اسوأ. الآن استطيع القول أن تُجار الحروب حققوا هدف من أهداف حربهم اللعينة، الصمت، ردعوا الجميع بكل أنواع الضغوط من أبسطها لأحقرها وإلى القتل نهاية، ولأننا مخاف الموت كثيراً ولأننا نفتقر لحب الوطن كما يجب فكل ما يحدث من صمت أمام كل الجرائم ليس غريباً. يا حسرتاه علينا وعلى ما ينسال من بين أيدينا مع كل صمت يتلبسُنا. يا حسرتاه.

السابع من نيسان 2019 الموافق الثاني من شهر شعبان 1440 هجري،  في هذا اليوم مات الأطفال وما عسى كل أحاديثنا وحروفنا وكلماتنا أن تفعل لقلب الأمهات اللائي فقدن أطفالهن بغتة دون أي سابق مرض أوإحتمالية بسيطة تُهيء قلوبهم للحرزن والفقد. لم يتوخى العدوان الحذر على خلاف اسم عاصفته التي يتغنى بها في كل المحافل والقنوات الإخبارية " عاصفة الأمل" !!! عن أي امل يتحدثون وهم مع كل غارة يأتون على كل الأمل الذي كبرناه واعتنينا به ليشد من أزرنا ويمنحنا القوة. تبعثرت حبال الحرب من بين أيدي الجميع وإن لم نقود الركب نحن الشباب وتخلينا عن كل أحزابنا العفنة فال جدوى من أي شيء بعد الآن.

صغيري
كم مرة حمدتُ الله أن ليس لي أبناء ولا زوج ولا حبيب ولا أحد يُخيفني فقدانه في هذه الحرب اللعينة الحقيرة، ورغم ذلك يُبكيني ويُهلكني حجم هذا الفقد والموت مع كل غارة يقوم بها العدوان" لا تحالف بعد اليوم" كذبوا علينا وجهل هذا الشعب جعله يُصدق أن 
لهذا التحالف نوايا حسنة.

لعل هذه الحرب تنتهي يا صغيري، ثم سأفكر ملياً فيما لو استسلمت لفطرة الأمومة لدي واسير في طريق الطبيعة وأصبح أماً رغم ثقل هذه الكلمة عليّ، أشعرُ بي طفلة رغم درجة الإدراك التي وصلتُ لها متأخراً، رغم نضجي إلا أني مازلتُ أرى نفسي طفلة لستُ على استعداد لئن أنخرط في مسؤولية كهذه. اخشى كل شيء، اخشى العلاقات التي لا أمان فيها ولا شط لترسو مشاعري، أخشى الكذب وقلبي طفل صغير يُصدق كل كسرة حنان وعطف، اخشى الإعتياد فاصحو على الغياب والعتمة، أخشى كل ما قد يُغيرني ويُحملني مالا طاقة لي به. بلا شك لا هروب في النهاية من كل هذا لكن من يدري يا صغيري قد تُصيني الحرب في حياتي وأغادر الحياة هكذا دونما أحد يحزن علي ودون طفل يحيا بلا أم.
لستُ أدري، إنها الحرب يا صغيري غيّرت فيّ الكثير.


تعليقات

المشاركات الشائعة