إلى صديقي (18)
مُفعمة بالحب أنا التي تُركت في منتصف كل الأشياء،
استيقظت لأجدني على رصيف عارية من كل دفئ، ما الذي كان يجدُر بي فعله أمام هذا
الكم الهائل من الخذلان. وضعتهُ جانباً لأني لا أقدر على تحمله، تركته وعاد
ليأخذه، أخذ حتى خذلانه هكذا كالقصص الخرافية التي لا تبدأ حتى تجدها أنتهت وما أن
تنتهي حتى تبدأ من جديد تداخُل خيالي مُثير، كنت كلما أخبر نفسي أن هذه هي وعكة
النهاية أجدك الصباح التالي تتحدث إليّ كأنك نسيت ما فعلته بالأمس. يُخال لي أن ثمة
ما يحدث معنا، ربما إضطراب، ربما سُكر أو
حالة مرض لم تُكتشف بعد
أنت الذي لم
تترك لي شيء، لم يراودك الشعور العادي يوماً ما، كنت في حالة عبث وجنون وغياب
وحضور، كنت خليط من كل شيء سيء لم يتسنى لي إكتشافك إلا حين توعكت عاطفياً لدرجة
الموت وخلال ذلك أدركت ما ارتكبته في حق نفسي، في
حق الأيام التي ما كان
يجدُر بي أن اقضيها في اللاشيء هكذا بشكل يدعو للشفقة والحزن.
كيف كانت تبدو الحياة حينها، مُعقدة، تارة تافهة حد
التكرار، وتارة أجد أن من الأفضل أن اصحح فكرة العيش لهدف، وكلما اتخذت هدف وجدته
يقودني إليك، كأنك كل الطرق والنهايات، كأنك الوطن بكل مُدنه وحروبه وسلامه. أتوقف
ثانية أتنفس الصعداء، ألهو لأيام، اتناساك عمداً وأقرر من جديد أن اضع هدف لهذه
الحياة اللعوبة، وأمسك قلمي ومذكرتي وأول ما أكتبه أسمك، كأنك هدفي الوحيد، كأن كل
الحروف تكاثرت من تعرجات حروف أسمك. أقطع الورقة أهدأ، أضحك بجنون وببلاهة في آن،
أُحدٍث نفسي" يجب أن تتخذي أمر الحياة بشكل جديّ أكثر، هيا ضعي هدفك"
أعدل من جلستي ، أصطنع العقلانية وأكتبك، هكذا أنا، لم
أستطع بعد أن اتجاوزك، لو كنت مجرمة ووضعتك هدفي لكنتُ قد تخلصتُ منك وأتيتُ على
آخرك بغمضة عين، ولكن لأني فتاة شرقية يُغريها الحزن والذكريات المنصوفة مازلت
أتذكرك كلما أشرقت شمس وغربت. على أمل غبي أن قد تعود يوماً رغم كل العقبات
والرغبة التي تنفيك أكثر من أنها تُريدك.
صديقي الغبي جداً
وضعتني في زاوية
جعلتني أرى منها كل الأشياء التي غضضتُ عنها الطرف لسنوات. الآن ها انا أرى بوضوح
وأفهم كل شيء وتأكدت ألف مرة أن كل غصة قلب لم تكن وجع بل تنبيه ظننته ألم، وأن كل
التلميحات التي فهمتها بوقتها ولم اتخذ أي موقف حيالها كانت هي الخطوط الأولية
لهذا الطريق الصحراوي الطويل وكل ذلك لم يكن في صالحك. لن تجد بعد الآن طريق لعين يأخذك
إليّ مُجدداً. انفرط العقد من بين يديك، كنتُ الوحيدة التي تُداريك كالأطفال وكنت
الوحيد الذي استطاع أن يغيب ويعود كيفما شاء دون أن يُصيبني الملل ولا يُصيبه
الخوف من صفعة ما!
أيها الوطن الهش
لا فرق بينك وبين وطني، كلاكما استطاع أن يكون خادعاً
بحجم حبي لكما وأعظم.
تعليقات
إرسال تعليق