إلى صغيري (15)
على الرغم من كل الرسائل إليك، أشعرُ في كل مرة أني لم أكتب إليك من قبل. كيف عليّ أن أكتب لطفل لم يأتي ولا والده بعد . ثمة أحاديث لا يجدُر بي أن احكيها لسواك.
صغيري
إنه العام الثلاثون، نعم، الثلاثون. لستُ خائفة من مضي العمر، إنني اتسائل فقط ما الذي قد انجزتهُ خلال هذه الأعوام التي لستُ أدري متى مضت! قليل من النصوص الركيكة المُتعبة والهاربة من ضغوط عقلي ونفسي، الكثير من المشاعر المُفرطة، ندبات كثيرة، مواقف لا تُنتسى، لا تُمحى. حجم هائل من الذكريات المدفونة والعالقة في الذاكرة، الروائح المُرتبطة بمشاعر وأخرى مُرتبطة بأماكن وأشخاص. القليل النادر من الحب، شحة في الأصدقاء، وعددٌ لا يُحصى من الكُتب الورقية، نعم الورقية، أُحبها جداً. أعداد مهولة من الفناجين المزركشة والملونة ومثلها من الورود الجافة التي حصلتُ عليها في حياتي بمحض الصدفة. صناديق كثيرة، نعم أحب أيضا صناعة الصناديق الملونة، الكبيرة والصغيرة واجمع فيها كل الأشياء الصغيرة والثمينة والتي لا قيمة لها سوا بالعاطفة والمشاعر، لدي ما يكفي من الصناديق لألعابك يّ حبيبي لا تقلق حيال ذلك.
اما قصاصات الأقمشة صاخبة الألوان، املكُ منها الكثير، شيءٍ اجهله يجعلني اجمع هذه الأشياء اللاقيّمة سوى من منظوري العاطفي. لدي عاطفة جياشة تجاه الأشياء القديمة، ولا املك ذلك للبشر. ثمة ندبة ابتلعت قلبي. أما الجوارب يا صغيري، املك منها ما يساعدني لأفتح متجراً للجوارب، لا يُمكنني التوقف عن شرائها، الصفراء، الزرقاء، المرقطة، المُزينة، التي تحمل غيوم وأخرى شمس وسماء، يجذبني الدفئ التي تحملهم الجوارب بين زوجيها، اعجز عن تفسير أيٌ من عاداتي ورغم ذلك أحبها كثيراً، وأُحبني بالطريقة التي أنا عليها الآن.
أحب الطريقة التي استيقظ بها باكراً وكلي أمل في يوم جديد وجميل، وبعدها بساعات العن الحياة وابغضها، ولا يستمر ذلك كثيراً لأعود مبتسمة متأقلمة جداً حيثما أكون، وفجأة تندلع حرباً داخلي من ذكرى لعينة. إنني مزاج على قدمين، بل إني كومة مشاعر واحاسيس متضاربة، لكن رغم كل ذلك، لم أؤذي أحداً ابداً، كل هذه المزاجية لم تمس أحد بسوء وفخورة جداً أني لم أؤذي أحداً ابدا.
صغيري
لم نُخلق بهذا الشكل الداخلي، بنتهُ الأيام، شكلتنا بطريقة مُذهلة،ولنا يدٌ فيما نحن عليه الآن، الصوت الذي كنتُ اسمعه دائما ينهاني عن شيء ما أو يشجعني وتجاهلته تماماً هو الوحيد الذي كان على حق، لم أدرك ذلك إلا بعد الكثير من كل شيء، حتى مني أنا.
تعليقات
إرسال تعليق