إلى صديقي(22)

علينا ألا نتكئ ونميل فننكسر حال الغياب، أو نتعثر كلما اختفت اليد التي كُنا نستند عليها بكل قوتنا.
"الإتزان في الحياة يجب عليكي تعلّمه، كي لا تسقطي" أتتذكر جملتك الشهيرة، حاجبك المرفوع ونظراتك الحادة. حاولت مراراً أن تصقل مهارة فصل الأمور ووضعها في نصابها، الأصدقاء، أصدقاء لا أخرج عن معنى الصداقة ولا أخلط مشاعري، الزملاء في صف لا ينحني معهم لا شعور ولا أحاديث، العائلة خط أحمر، رغم ما أذاقوك من ألم وعناء تتحمله حتى اللحظة.

الحب في دائرته التي لا تكفُ عن الدوران وأمامي رسمت دائرة بداخلها نقطة وحيدة وخارجها نقطة أخرى، قهقهت قائلاً:" عليكِ أن تُدركي أن الحب دائرة نسجن أنفاسنا ومشاعرنا وعواطفنا وجُل ما نملك فلا نصل لمن نُحب ولا يلمحنا. لو نكفُ فقط عن الغرق في المشاعر والأفكار المُرّهقة، المُحب هو هذه النقطة المسجونة داخل دائرة شحنات غريبة لا تنتهي؛ المحبوب هو النقطة التي خارج الدائرة، لا يدري ما الذي يجري وكثيراً لا يهمه ذلك" وتقهقه كعادتك لتبدأ تُثرثر في موضوع مختلف.

هل نحنُ حقاً أصدقاء؟ اتسائل بصمتٍ دائماً.

صديقي
العمر يمضي،بين غمضة عين وأُخرى تتحول الأمور لبشاعة تامة،ونادراً لسعادة لذيذة لا يُنسى مذاقها. بين كل الحكايا، لا يبقى منها سوى الذكرى، في الجانب الأخر وهو الواقع، لا يستقيم النبض الخادع، ولا الكلمات المنمقة الكاذبة،ولا القصص المنصوفة الغامضة، لا يبقى إلا النبض السوي الذي استنجد بالله فنجّاه.
على ذكر النجاة، اتسائل إذا ما سننجو من هذه الحرب العفنة أم لا؟
أعود لما كنتُ اسردهُ عليك سابقاً. دعنا لا نضع قلوبنا في زاوية تُقصي النبض عن الحقائق، ماذا سيحدُث لو رأينا الحياة بكل تفاصيلها بقلوبنا الحيّة النقية، أن نأكل بحب،ونضحك بحب، ونثرثر بحب، ونتنفس بحب، أن نلتقي بحب ونودع بعضنا بحب، نبتسم بحب، ونبكي أيضاً بطريقة لطيفة تنجينا من قسوة القلب وجمود المشاعر. لا قوة في الأرض توازي الحب في عنفوانه.

صديقي البعيد القريب
من أين لنا كل هذه القوة لنتعارك مع المواقف ونستطيع أن نتعلم منها، وندير ظهرنا لمن جعلنا نتألم، ونصادفه في الطرقات ولا يعني لنا ذلك شيء. قوتنا لا تُضاهيها قوة، علينا فقط أن نُحسن استخدامها لننجو، ونحب ونعيش.

في لحظة، يُباغتني شعور أنك صديق ليس من ورق.


تعليقات

المشاركات الشائعة