إلى صديقي(23)- حيرة
يُعرّف الوطن بأنه أرض له صلة خفيّة عميقة في نفوس أبنائه، عليهم واجب حمايته بالدم والمال، وفي فلسفة أخرى، الوطن شخص اتسع قلبه لك بكل عنفوانك، مزاجيتك، اخطائك وحزنك، وقدرتك المستمرة في الحُب رغم كل ما مررت به، في حالات مُتكررة وعاطفية بحتة، يتوجب على كلا الطرفين التضحية بكل من لا يستحق للحفاظ على نبض لذيذ يُعطي الحياة لذّة ومعنى.
في كتاب لا أتذكر عنوانه، كان الكاتب عاشقٌ حد الهذيان، قال في أحد صفحاته المجنونة، الوطن جسد، عليه تترك أثر قُبلاتك مع كل رحلة تقضيها معه، جسدٌ وحيد لا ثاني له. إنتهى كتابه بفناء كاتبه، لقد مات عشقاً لكنه كان سعيداً بما يكفي لأعمار عِدّة مثل عمره.
بإختلاف المسميات، والملل والإعتقادات، يختلف الحب بمسماه، في الديانات السماوية ذُكر الحُب. في ديننا الحنيف الحب إلتزام، صفحة مليئة بالنور، لأن الحب السويّ نور يّ صديقي، هو لا يعمينا إلا عن سوء الحياة لا أكثر.
صديقي البعيد
مازلتُ أنتظر اللحظة التي تُصبح حقيقة، يدٌ اتشبثُ بها كلما شعرتُ بضعف، كتفٌ اسندُ رأسي عليه حين تُثقل الحياة عليّ بحزنها، قلب يُشاركني لحظات الفرح والبكاء التي أمارسها سراً وعلانية. مازلتُ انتظر لحظة خروجك من هشاشة الورق إلى مادية الواقع لأتلمس ملامحك بيداي المُرتجفتين الباردتين، حاجباك المعقودان كلما مسّك التعب، سُمرتك التي تختلط بين لون البُن وتراب الوطن، طفولتك الظاهرة جداً في ضحكك، يديك ذات العروق البارزة، عينيك البحر. اتسائل لو بإستطاعتي أن المسّ قلبك، أراني فيه، كيف أبدوا في عينيك؟ على حافته أنا أم قد استقرّ حُبي طارداً كل ألم وذكرى حزينة.
قل لي متى ستُصبح حقيقة، متى لي أن أعانقك كلما أحتجّ قلبي على ظلم الحياة وبُعدك. كلما ظننتُ سوءاً بالحياة ونسيتُ حلاوة وجودك.
عليّ أن أعترف أن الصديق الذي يبقى صديق وحبيب في آن مُعجزة لا تتكرر أبداً، هل تُرانا حصلنا على معجزة، كيف لنا أن نتأكد من حقيقة كل ما نعيشه؟ هل علينا أن نُجازف أكثر؟ تُرى هل حقاً يستحق الأمر المجازفة؟ هل سنحصل على مُرادنا نهاية؟! من أين جئنا؟ كيف وجدنا بعضنا؟ من الذي همس لنا بالقُرب؟
هيا يّ صديقي
أُخرج لي من بين السطور حقيقة عذبة أنسى بها كل هذا الخوف. وأجبني على كل هذه الحيرة.
تعليقات
إرسال تعليق