رسائل في زمن الكورونا (4)

الأيام لا تمرّ، وإن مرّت أحدثت فيّ فوضى عارمة. هذه الأيام التي أمرُّ بها ليست بالعادية، ولا الهينة، ولا البسيطة، لا. إنها أيام تستطيع جيداً أن تحشُد كل الأفكار في رأسي، من أدنى فكرة سلبية إلى أدهشهُن إيجابية. إني ولا أفخر بهذا، أشعرُ أني على الحافة تماماً، يدي لا تجدُ ما تتشبث به، قلبي خالٍ من كل شعور قد يمده بالأمل. لستُ متشائمة، أُكرر هذا مراراً وتكراراً في كل رسالة أكتُبها إليك، أنا أعيش الواقع الآن بتفاصيله وتوقفت فقط عن تلوين الأحداث ورش عطري عليها كي استسيغها وأُجاريها. توقفت عن إرتداء نظارتي التي كلها ألوان صاخبة. إني أرى الآن بوضوح جارح. ما يحدث في هذه البلاد لا يتحمله عقل.

صديقي الغريب/البعيد
قبل أيام من الآن تحدث الجميع عن إيقاف العمليات العسكرية، بمعنى سيتوقف القصف إلى إنتهاء لعنة الكورونا، لم تمرّ أيام إلا والطائرات مُجدداً تدوس على حرمة هذه البلاد وتقصف عدة مناطق، البارحة من تاريخ كتابة هذه الرسالة، تم قصف أحياء عدة في العاصمة وفي مدن أخرى، وكان قصف هستيري لا يُبرره سوى دناءة من ألقا عليهم أوامر القصف. كنتُ- ومن الدقيقة الأولى لقراءتي خبر إيقاف العمليات العسكرية-متأكدة أن ترك كورونا تنهي الحرب اللعينة ليس بخيار مُحتمل حتى على المدى البعيد. أتدري لما؟ لأن المستفيدين من إستمرارها ستنقطع التدفقات المالية الهائلة لأيديهم.
تجاهلت كل هذا بحثاً عن ما يساعدني للشعور بإيجابية وقليل أمل، ولكن هطلت الأمطار بغزارة مُخيفة، كثير من الأحياء تأذت بفعل المياه الجارفة،أستطيع القول أنه(فيضان مُصغّر). وليس هنالك أي إجراءات من ذوي السلطة في الفترة الحالية، ليس ثمة معونات مالية ولا مادية، الصمت أقبح ما يحدث في هذه الأزمات.
اليوم ووفقاً لقرارات المُتحكمين بالشمال (ذوي السلطة) مُنع موظفي المنظمات من الدوام لأسبابٍ عدة ومن أهمها المال. وحده الذي جرّد الأغلب من إنسانيتهم. علاوة على الحرب والجوع والوباء لم يُثنيهم كل هذا عن قطع الرزق.

صديقي الهش
أستغرب الأيام كيف مضت، واعتدت غيابك؟ أنا التي ظننتُك أهلا للحياة،وكنت جباناً بما يكفي لتغيب وفضلته على كل شيء اعتقدته حقيقة وكان سرابا ليس إلا.

في الجهة الأخرى من كل هذا العبث، مازال هناك ما يدعو للأمل، إني ألتهم الكُتب حرفياً، وهذا بحد ذاته ما أدمنته منذ صغري، وبسبب ضغط العمل توقفت عن القراءة وها أنا أعود لها بلهفة وحب شديد. مازال هناك ما يُزهر بداخلي، لم اسمح لشيء يجعل كل النور بداخلي ينطفئ. عليّ أن أقاوم لأخر رمق، لستُ أنا التي تستسلم أبداً.


16April2020

تعليقات

المشاركات الشائعة