رسائل في زمن الكورونا(8)- تربُص

ما يُقارب الستة أشهر في دوامة مع فيروس لعين، رئة العالم لا تستنشق الأوكسجين بما يسمح لها بالعيش. حشرجات، شهيق وزفير مُتسارع الإقتصاد يحاول جاهداً أن يتعافى ويسترد روحه وعنفوانه في البلدان العُظمى. السكان عادوا للحياة المُعتادة قبل الفيروس نسبياً، بشروط صارمة بالتباعد الإجتماعي، القفازات والماسكات، حياة تبدو بلا ملامح، بلا قُرب وبلا قدرة على أن تكون إجتماعية بعد الآن. 

إنه الخامس عشر من آيار/مايو هذا الشهر ظهر الفيروس في وطني بشكل رسمي، تتضارب الأخبار، الكثيرون غير مصدقين حتى لحظة هذا المقال، المساجد مكتظة بالمصلين بحكم العشر الأواخر من رمضان، الأسواق كذلك، الفيروس يجد مستنقعاً كبيراً من الإزدحام الذي يُناسب قفزاته السريعة والمُميتة. كعادتي أتصفح الفيسبوك يومياً لمدة ساعة وهذه مُدة مُقلقة وأعتبرها هدراً مقارنة بأشياء أكثر أهمية ممكن القيام بها، ولكني أعتدت وهذا سيءٌ للغاية أعترف بذلك، تصفحي بهدف معرفة مستجدات الفيروس، أتصفح وكلي أمل أن تقع عيني على خبر "لقاح ناجع ضد اللعين كورونا" أعلمُ أني مُستعجلة حول هذا وإنما يُرعبني هذا الكم الهائل من الموت المُتربص بنا من كل حدبٍ وصوب. أخافُ الموت وأنا لم أعيش الحياة في وطن أمتص كل طاقتنا وأقتات على أحلامنا وزهرة شبابنا. الأخبار تدفعني للهلع عن تصفيات المرضى، إختفاء قبل التصفية ثم دفن يشي بجرمٍ ما دون أن يرى أحد الجثة. إنه تدني حاد في الإنسانية، من أين لهم هذا الكم المقرف والمستفز من موت الضمير. وحتى اللحظة لم تضع السلطة أي قيود على التجمعات للحدّ من إنتشار الفيروس. ثمة خطوب لا أفهمها مهما وصل بي التدقيق والتحليل، لا جدوى من هذه الحثالة التي تحكمنا.

صديقي
أظن أني سأتوقف عن متابعة الأخبار، وعن قراءة مستجدات البحوث ونتائجها، وعن كل محاولة فاشلة في إيجاد لقاح يُنهي حلقة الموت المُتسارعة هذه. في أحد صفحات الفيسبوك، رأيت قبوراً تحفر بألة لعدد مهول، وجوب التخفي وعدم إقامة جنازة للموتى هذا بحد ذاته إنتقاص للحق الشرعي لكل ميت. فرضه الفيروس فرضاً بكل جبروت. أسوأ الأعداء وأشرسهم من لا تراه، يفتك بك بمباغته دنيئة، يعرف متى وكيف يُباغتك، إنها عملة رخيصة هذه المُباغتة. لما لا يظهر للعيان هذا العدو ويدل على سبيل لمواجهته؟ أليست هذه خصلة شريفة يجب أن يتحلى بها الأعداء، أن يكونوا مرئيين على الأقل؟!
تتسع الفجوة بين الأمل وإلتزام هذا الشعب بالتعليمات المفروضة عالمياً للحد من إنتشاره. حالة كارثية على وشك الحدوث. نحن اليمنيين صعب جداً أن نُدرك حجم الخطر الذي يتربص بنا ولا عتب على الجهل يّ صديقي ولا أُعمم، ولا أنكر أن هناك الكثير من يلتزم ولكن شريحة اللامباليين هي التي ستجلب الكارثة إلى عُقب دارنا.

هشاشة هذا العالم بدت واضحة للغاية أمام فيروس مُتخفي، كل القوة والأسلحة والنووي والخطابات المُؤثرة والرؤوساء ذو القوة والسلطة والذكاء، كل ذلك صفر، لا شيء في موقف نِزال بينهم وبين عدو لا يُرى بالعين المُجردة.
في خضم كل هذا، اتسائل، هل سنلتقي يوماً ما في مكان يعمّه السلام والحرية؟

الثالث والعشرين من رمضان2020 عام الهلع

تعليقات

المشاركات الشائعة