العمر - رسائل إلى أبي (1)


 هل العمر بعدد أيامه، أم بعدد الأحزان وثقلها فينا؟ هل الأجدر في حساب العمر أن يُحسب بثِقل ما عشناه أم بخفّة مرور الأيام علينا وعلى من نُحب؟ أم هل علينا حسبة العمر بقدر ما أحببنا، وإن لم يُحب القلب يوماً فليس للإنسان عُمر نستطيع حسابه؟

اتسائل فيما لو بإستطاعتنا حساب أعمارنا بساعات الضحك، فيقول الإنسان مثلاً، عمري ساعتين وخمس دقائق وثلاثون ثانية. أو عمري عام، آه، يبدو إنسان سعيد جداً، حينها أعتقد البشر سيبدأون بحسد بعضهم البعض بسبب حساب عمرهم من الضحك، فكلما زادت ساعات العمر فهو شخص أسعد بكثير. تبدو هذه الحسبه مثيرة للقلق.


أو ربما علينا حساب العمر بما مرّ علينا من حروب، ليست سياسية إنما حروب بين المرء ونفسه، كم حرباً خُضت مع نفسك لتُبعدها عن القُبح؟ كم حرباً خضت لتحفظ قلبك من خذلانٍ ما؟ من وجع، من مواجهة صديق بحقيقته، من خسران أحدهم، من وطأة الإنتظار؟

كم حرباً خضت في سبيل الخلاص من ذكرى مؤلمة ولم تستطع؟ كم حرباً مررت بها فحطمتك، وكم منحتك بعض قوة ؟

أظن الحروب قائمة لنهاية العمر الذي لا أعلم لما نحسبه وهو يمضي حسبناه أم لم نفعل.

لا شك أن العمر له حسابات كثيرة وعميقة وأليمة أيضا، وبلا أدنى شك سعيدة نادرة.

فأيُّ الحسابات أصح؟


أبي

مرّ حتى الآن شهرين وست وعشرين يوماً على وفاتك، لم أتجاوز أي شعور بعد، لحظات وداعك، عينيك في روحها الأخيرة، يديك وإنقباض روحك بين يدي كان شيئاً بشعاً، ثقيلاً مؤلما وبليغاً حدّ عدم قدرتي على نسيانه، أو حتى التخفيف من وطأته على روحي كلما مرّ عليّ.


أبي

أعلم أني كنت مقصرة بطريقة ما، لا أدري ما هي، وأعلم أن هذا الجرح ليس كأي جرح يمكن الزمن مداواته، كما أعلم جيداً أن الحياة لن تعود كما كانت معك. يؤلمني رحيلك في وقت وددتُ لو تشاركني فرحتي، تلتقي من أخترت، تشاركه الحديث في السياسة ووضع الدولة ومخاوفك من المستقبل السياسي، تشاركه خبراتك، رحلاتك الكثيرة والطويلة، عمرك الذي قضيته في العلم والقراءة والإطلاع. وددتُ عميقاً وكثيراً لو تلتقيه يا أبي. لروحك السلام، أشتقتُ إليك.




تعليقات

  1. الله يرحمك يا ابي فقد كنت الروح اللتي تنبض داخلي .. من بعدك صرت ميتا يتنقل في الارجاء من اللا شيئ الى اللا شيئ

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة